معتز الشامي (أبوظبي)

عندما يتحدث الأسطورة الإيطالية بيير لويجي كولينا عن التحكيم، فعلى الجميع أن يستمع لحديث رجل ألهم أصحاب الصافرة حول العالم، فتم تكليفه برئاسة لجنة الحكام بالفيفا، والتقت «الاتحاد» مع كولينا في حوار خاص وحصري، على هامش حضوره للإشراف على تدريب قضاة كأس آسيا على استخدام تقنية الفيديو، التي ستطبق بالبطولة للمرة الأولى مع مباريات ربع النهائي.
وجد هذا القرار بعض الانتقادات لأصوات طالبت بالتطبيق مع أول مباراة لدور المجموعات، لكن كولينا أكد أن الاتحاد الآسيوي كان أمام أمرين، إما عدم تطبيق التقنية في البطولة وإلغاء الفكرة، أو تطبيقها في مرحلة جزئية، لذلك جاء القرار بالتطبيق من ربع النهائي، حيث لم يكن العدد المؤهل للتعامل مع «VAR» يسمح بإدارة جميع مباريات البطولة، ومن هنا جاء قرار «الفيفا» و«إيفاب»، بالتركيز على الأسماء المؤهلة للفيديو ولديها رخصة التطبيق.
وعن تأخر تطبيق التقنية في كأس آسيا حتى ربع النهائي، قال: «هو قرار حكيم بالنسبة لي، لأن التطبيق الجزئي للتقنية، يتوافق مع الإمكانات المتوافرة من قضاة أصحاب خبرة وأصحاب تجارب، ولديهم رخصة الفيديو من إيفاب، وضيق الوقت حرمنا من تأهيل المزيد من القضاة قبل البطولة، فالتعامل مع تقنية الفيديو لا يحتاج فقط لتأهيل من يقف أمام الشاشة، لكن أيضاً تأهيل طاقم التحكيم في الملعب، في التعامل مع الطاقم خلف الشاشة وكيفية الاستعانة بالتقنية».
وأضاف: «أمضينا عاماً ونصف العام لتأهيل الحكام المرشحين لكأس العالم، للتعامل مع تقنية الفيديو، بينما لم يكن الوقت ليسعفنا للبدء مع القضاة المكلفين بكأس آسيا قبل البطولة بأسابيع قليلة فقط، وهذه كانت ستصبح مغامرة غير مأمونة المخاطر».
وعن إمكانية مد الاتحاد الآسيوي بحكام مؤهلين من قارات أخرى، قال: «لماذا نفعل ذلك، الهدف هو تأهيل حكام آسيا لإدارة بطولة كأس آسيا، ليس منطقياً أن نأتي بقضاة من أوروبا أو أفريقيا لتقنية الفيديو، فهذا لن يكون فعالاً وأيضاً لا يليق بالبطولة، لأن كل الاتحادات القارية تعتمد على حكامها فقط لإدارة بطولاتها القارية، والاتحاد الآسيوي لديه حكام مؤهلون بما فيه الكفاية للقيام بتلك المهمة، لقد سمح بوجود حكم مكسيكي لأن هناك اتفاقية بين الاتحاد الآسيوي وكونكاكاف، وأعتقد أنه بعد مرور أكثر من 22 مباراة من البطولة، أرى أن مستويات التحكيم جيدة، صحيح أن هناك أخطاء، ولكن ذلك يحدث في كل بطولات العالم، فلا مباراة من دون أخطاء».
وتابع: «أشكر الاتحاد الآسيوي ولجنة الحكام على تطبيق تقنية الفيديو كأول اتحاد قاري بعد كأس العالم في موسكو، وأشيد هنا بسعي الاتحاد القاري المستمر وإدارة الحكام برئاسة شمسول والزملاء أعضاء اللجنة على حرصهم الكبير من أجل تطوير التحكيم الآسيوي للأفضل دائماً، نحن نتابع ذلك عن قرب، ونرى جهوداً جبارة بالفعل، فهم ملتزمون بالعمل للنهوض بقطاع التحكيم، ويوفرون كل ما يلزم لتحضير الحكام والوصول لأفضل مستوى ممكن، وأنا سعيد بهذا التواصل مع زملائي في لجنة الحكام بالاتحاد الآسيوي».


وتحدث كولينا عن مستقبل تقنية الفيديو بعد 5 سنوات من الآن في ظل بعض الانتقادات لها، وقال: «تقنية الفيديو الأنسب لتطوير مستويات التحكيم لمراحل أبعد، التغيير دائماً ما يقابل بمن يقاومه، فلا أحد يقبل التغيير سريعاً، هذا أمر يحدث حتى في الحياة العادية، لقد توقعت أن تكون هناك انتقادات لتقنية الفيديو، لكن مع مرور الوقت ستصبح ضرورية للغاية، لأنها يمكن أن تغير وجه التحكيم للأفضل، وتقلل الأخطاء لنسبة لم يكن الوصول إليها سهلاً عن ذي قبل».
وأضاف: «حالياً التقنية باهظة التكلفة بعض الشيء، لذلك قللنا بعض الشروط الخاصة بالتطبيق، حيث يمكن استخدامها بـ4 أو 6 كاميرات، وفي بعض البطولات يتم الاستعانة بـ42 كاميرا، مثلما حدث في مونديال روسيا بوجود أكثر من 8 أشخاص يعملون على التقنية بين 4 حكام و4 تقنيين، للمباراة الواحدة، لكن هذا المعيار فقط في المونديال، ولا يمكن تطبيقه في الدوريات المحلية، التي وضعنا من أجلها بنوداً يمكن تطبيقها بـ2 من الحكام فقط وشخص فني للتعامل مع الأجهزة، وهناك نظام غرفة التحكم الموحدة ونظام السيارات المتنقلة، كلاً بحسب إمكاناته، وكله بحسب الميزانية التي يستطيع تحملها، لكن المهم أن المعايير الأساسية للتقنية وطريقة تطبيقها موحدة».
وعن متابعته لكيفية تطبيق التقنية في دوريات العالم، قال: «لست جهاز كمبيوتر حتى أتابع جميع دوريات العالم التي تطبق تقنية الفيديو، ولكني أطلع بشكل عام على أبرز التطبيقات، الآن يقدم الفيفا الدعم المالي لكل الاتحادات الوطنية بالعالم وتصل إلى 5 ملايين دولار، هو مبلغ كافٍ لمن يريد تطوير التحكيم ضمن تطوير المنظومة ككل، ما أتوقعه أنه بعد 5 سنوات، ستنتشر التقنية أكثر وأكثر في العالم ونحن جاهزون لتقديم يد المساعدة لذلك، لأن هدفي هو النجاح في هذا المشروع، ولذلك وافقت على العمل بالفيفا، مع إنفانتينو، الذي سبق وعمل معي في اليويفا، وهناك تناغم بيننا وهو قائد يحلم دائماً بتطوير كل جوانب كرة القدم وخاصة الحكام، وعملت معه في الاتحاد الأوروبي لـ6 سنوات، وكان لدينا مشروع كبير وقتها، والآن مع انتقاله للفيفا، أصبح لديه مشروع آخر أكبر، أقوم به الآن، وهو تطوير التحكيم عالمياً ونشر تقنية الفيديو، وأحب أن أعمل في مجال التحكيم، وهدفي التطوير المستمر، ومع الفيفا سيكون المجال أوسع لمساعدة كل اتحاد قاري ووطني على تطوير التحكيم وبخاصة الفيديو».
وأكمل: «لن نهتم بتقنية الفيديو وحدها، لأنها مجرد أداة تساعد على تقليل الأخطاء، ولكنها لن تقضي على الأخطاء نهائياً، فهذا مستحيل، هي تسهم في تصحيح بعض الأخطاء، لكن في بعض المراحل قد لا تكون تلك التقنية حاسمة، لذلك نركز على تطوير الحكم نفسه ورفع كفاءته لأنه الأساس، والاستثمار فيه بالتأكيد يتطلب رفع مستواه لتكون تلك التقنية مجرد عامل مساعد له فقط».
وتطرق كولينا إلى تنظيم الإمارات للبطولة، وأداء منتخبنا الوطني وقال: «تنظم الإمارات بطولة رائعة حتى الآن، وعلى الجميع أن يفخر بذلك، أما عن المنتخب فلقد شاهدت مباراة الافتتاح، وعلى الجميع أن يدرك أن أي منتخب يلعب على أرضه، يعاني كماً هائل من الضغوط، أكبر بكثير من اللعب خارج الأرض، خصوصاً في بطولة بحجم كأس آسيا، لقد رأيت أجواء جميلة هنا يصنعها الجمهور الإماراتي، الذي يهتم باسم بلده، وحدث ذلك في مونديال الأندية، وهذا دليل على أن الجماهير فخورة بتنظيم واستضافة البطولة على أرضها، وأعتقد بشكل عام، أن الحضور الجماهيري جيد للغاية في البطولة، وهو يعكس أنها نجحت بالفعل في تقديم مستوى جيد».

صافرة آسيا والمونديال
رد كولينا على استفسار يتعلق بمستوى التحكيم الآسيوي في مونديال روسيا الأخير، وقال: «نعم كان جيداً للغاية، وكان الحكم علي رضا قريباً من قيادة مباراة النهائي، وهو ما يعني أن التطور في مجال التحكيم وصل لمراحل مميزة للغاية هنا في آسيا».
وعن إمكانية رؤية حكم آسيوي يدير نهائي المونديال قريباً، قال كولينا: «أمامنا ما يقارب 4 سنوات، وسنتابع تطوير التحكيم هنا، الأمر بالنسبة لنا يتعلق بالجودة وبضرورة تقديم أداء يتفوق فيه على باقي الحكام القادمين من كل قارات العالم، الأمر ليس له علاقة بجنسية أو بقارة، ولكن بحسب قدرات كل حكم، من يعرفني جيداً سيعرف أنني لا أجامل أبداً، خصوصاً إذا تعلق الأمر بالتحكيم، لذلك لن أمنح الفرصة لحكم آسيوي في إدارة نهائي المونديال إلا إذا استحقها وتفوق على غيره من الحكام خلال مشوار البطولة».
وتابع: «من وضعني في منصبي بالفيفا ومنحني هذه الثقة، يعلم تماماً أنني لا أبالي بتوزيعات جغرافية أبداً، فلن يحصل أي حكم على أي فرصة لا يستحقها في بطولات الفيفا طالما كنت مسؤولاً عن التحكيم».
وعن عدد أطقم آسيا في المونديال المقبل، قال: «ليس هناك رقم محدد لكل قارة من حيث عدد قضاتها في المونديال، نحن نعمل مع كل الاتحادات القارية لتطوير الجودة التحكيمية لديها، فأنا لن أحدد أية أعداد وأرقام ولا أعرف ما يسمى بالتوزيع الجغرافي، فمن الوارد أن أختار 10 قضاة من آسيا لإدارة المونديال، الأمر لن يتوقف على رقم، لكن يجب أن يكون القضاة هنا أفضل من غيرهم في باقي القارات».

عبد الله يحمل إرث بوجسيم
أكد الإيطالي كولينا أن حكمنا المونديالي محمد عبد الله استطاع أن يحمل إرث علي بوجسيم الأسطورة الإماراتية في تاريخ المونديال، وقال: «غابت الصافرة الإماراتية عن المونديال لسنوات بعد علي بوجسيم، حتى عاد محمد عبد الله للظهور في موسكو، هو عليه أن يفخر الآن بذلك، لأنه سار على خطى بوجسيم وتأهل للمونديال».
وقال: «علي بوجسيم اسم كبير في عالم التحكيم بالتأكيد، لكن على محمد عبد الله أن يواصل التدريب بكل تركيز وقوة من أجل الوصول لمراحل أعلى للتطور، وأرى أنه عاقد العزم على تكرار التجربة في مونديال 2022، لكن المطلوب الآن هو المزيد من التدريب والتطور، لأن المنافسة لن تكون سهلة، وأرى أنه قدم أداءً جيداً في مونديال موسكو بالفعل، وينتظره مشوار طويل للاستمرار على الأسلوب نفسه، حتى يصل إلى الأحسن».

نجاح فني لنظام الـ24
أكد كولينا أن البعض كان يتخوف من عدم نجاح بطولة كأس آسيا فنياً، نظراً لزيادة منتخباتها من 16 إلى 24 فريقاً، ولكن ما شاهده الجميع أثبت أن البطولة نجحت فنياً بالفعل، وكانت هناك مباريات قوية ومفاجئة لمتابعي الكرة الآسيوية، وقال: «ما تم تقديمه في كأس آسيا أمر مختلف، فلم نر منتخبات ضعيفة، وكل الفرق قدمت مستويات قوية حتى المنتخبات التي لم تكن مرشحة تماماً في البطولة، رأيت مستوى الفلبين أمام كوريا والصين، قدموا مباراة جيدة للغاية، حتى منتخب سوريا، فهو منتخب قوي للغاية على الورق، لكن لم أتوقع أن يكون بهذا الشكل ويصارع من أجل التأهل، ومن يحتل الصدارة هو منتخب الأردن، الذي كان بعيداً عن الترشيحات».